الخميس، 13 أكتوبر 2011

تكولوجيا الاتصال وقضايا الإرهاب في المجال التربوي


 

تكنولوجيا الاتصال وقضايا الإرهاب في المجال التربوي

فاطمة كدو



إن الحديث عن تكنولوجيا الاتصال أمر شائك وصعب للغاية خصوصا في عصرنا الحالي، والصعوبة آتية ليس من "الإعلام" في حد ذاته، أي كموضوع ينبغي تعريفه، وتحديد مميزاته وأهميته في مجال التواصل بل إن الصعوبة آتية أساسا من خطورة هذه الفجوة الكبيرة التي تفصل الشمال كمنتج للتكنولوجيا الإعلامية والجنوب كمستهلك لها.
ولعل أهم مظاهر هذه الخطورة تتجلى في الإمكانيات التكنولوجية المهمة المتاحة لهذا الغرب والتي يتم توظيفها في مجال التربية والتكوين ونقل المعارف والتعريف بالآخر وربط الطالب بمحيطه الخارجي من خلال استحضار الأحداث المتسارعة التي يشهدها عالمنا منذ 11 شتنبر، حيث يصبح العنصر البشري داخل هذه العملية نقطة مركزية تتقاطع عندها عدة اتجاهات تربوية نفسية/ اجتماعية / تاريخية/ معرفية إلخ.... حيث يزود هذا العنصر البشري (التلاميذ والطلاب على وجه الخصوص) بمعلومات ومعارف قد تكون عاملا مهما في ازدياد هذه الفجوة على المستوى الإنساني من خلال تشكل معطيات سلبية عن الآخر (المسلم خصوصا) ومن ثم حصول التباين المعرفي والفكري والثقافي الذي قد يمتد إلى مظاهر اللباس كعنصر يميز الآخر (المسلم) عن الذات (الغرب)، وهنا يمكن استحضار قضية غطاء الرأس في الإعداديات والثانويات الفرنسية.
إن أهمية الإعلام وخطورته في نفس الآن نابعة من كونه "يشمل كل وسائل المعرفة : الصوت، والكلمة، والنص، والصورة، والمعلومات، والإشارات الإلكترونية، وحتى الإدراكات الحسية. فالإعلام هو المادة الأولية للمعرفة، باعتبار أن المعرفة، إعلام قد تم تركيبه وتأليفه حسب تصور معين (...) إن الإعلام -كما أفصح عن ذلك "غريغوري باتسن- « Gregory Batson » هو : "التباين"[1].
ويظل مجال البحث والتربية والتكوين من المجالات الحيوية التي اخترقها الإعلام وطورها كما وكيفا، وذلك داخل الإطار العام لشبكة التواصل الثقافي التي تعتبر التحدي المستقبلي الأساسي، خصوصا "طرق الإعلام السيارة"، التي هي نتاج كل من الإبداع العلمي والابتكار التكنولوجي والتي تثير عددا من التساؤلات المهمة بخصوص الخبر المنقول، والشبكات المستعملة"[2]، ويربط ذ المهدي المنجرة بين "السلام" كبعد إنساني وبين "التواصل الثقافي المتوازن"، الذي من شأنه أن يحقق البعد الإنساني للسلام، وبالتالي بناء مستقبل الإنسانية.
إن تركيز د. المهدي المنجرة على مفهوم "السلام" و مفهوم "التواصل" الثقافي المتوازن" يؤشر على أهمية الإعلام الذي "أضحى، في ذات الوقت، منبعا وأداة للسلطة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والعلمية، وبات المفهوم الحق للاتصال يتنامى بتطابق مع مدى التقدم الهائل في مضمار التكنولوجيا. وأمست وسائل الإعلام، تتفاعل باستمرار سائرة إلى تألق فسيح الأرجاء"[3].
لكن هذا "التواصل الثقافي" تواجهه عدة تحديات، يحددها د. المهدي المنجرة، في الفجوة الكبيرة التي تفصل بين الشمال المتقدم والجنوب الذي لا زال يصارع التأخر والتراجع من أجل السير نحو النمو والرقي، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الاعتمادات المادية المهمة التي ينبغي تخصيصها للنهوض بالقطاع التكنولوجي : "إن توظيف التكنولوجيات في الاتصال، يستحت مبالغ مالية مهمة، ويقتضي تصعيد مساهمة القوى البشرية ويترتب عنه حتما التركيز على نمو السوق وازدهارها. ذلك كله، يمثل تحديا لا قبل إلا لعشرة من البلاد السائرة إلى النمو برفعه.
وقد تجلى من اللازم في تحقيق الرفاهية الاجتماعية- الاقتصادية، وتأمين المعيش السياسي والثقافي، أن تعتمد مشروعات مشتركة بين البلاد السائرة إلى النمو. فمن شأن تعاون منظم بين أقطار الجنوب، أن يفيد نمو دول العالم الثالث، بل كذلك أن يساعد على نجاح البرامج المتعلقة بكل من الشمال والجنوب، بما ينهض بأوضاعها في اتجاه المزيد من الرخاء والانسجام. مما يساعد على صون التنوع الثقافي وتعزيز التضامن الإنساني..."[4].
إن صون "التنوع الثقافي" وتعزيز "التضامن الإنساني" في رأينا الخاص لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال قاطرة مهمة جدا وهي : التربية والتعليم، وتنشئة الأجيال القادرة على تحمل مسؤوليته أولا، فهم دلالات "التنوع الثقافي"، ثم ثانيا العمل على إحداث الآليات الكفيلة بإنجاح عملية صون هذا التنوع، وبالتالي فتح المجال أمام تعزيز "التضامن الإنساني". لكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا بإلحاح هو كيف يتم تمرير هذا الخطاب حول الإرهاب عبر قنوات التواصل المختلفة إلى الناشئة داخل الإعداديات والثانويات بالغرب  -فرنسا على سبيل المثال- خصوصا عندما يتم ربط هذا الخطاب حول الإرهاب بالإسلام، حيث يتم تجنيسه ووصفه من خلال بيئة محددة وشعوب معلومة؟ ما هي آليات انتقاء الخطاب (مقالات صحفية – برامج تلفزية/ إذاعة / ندوات...إلخ) التي تناسلت حول مفهوم الإرهاب محلِّلَة دلالاته وأبعاده، يتم عرضها عبر مواقع الإنترنت المتخصصة في مجال التربية والتكوين لتكون رهن إشارة هيئة التدريس لشرحها للتلاميذ قصد ربطهم بمحيطهم العام وتدريبهم على اتخاذ مواقف من الأحداث التي يعيشونها من أجل مواجهة الآخر/المسلم وبالتالي مواجهة خطابه المتطرف على حد تعبيرهم، هل تعمل قنوات التواصل هذه –البيداغوجية منها على وجه الخصوص- من خلال ما تجمعه من معلومات معرفية / فكرية على التفريق بين المسلم المسالم، والمسلم الذي يتبنى أفكارا توصف بالمتطرفة أم أنها تعتبر أن جميع المسلمين إرهابيين، وبالتالي فكل الخطابات التي تحلل الإرهاب والتي تشير بإصبع الاتهام إلى كل مسلم على أنه مشروع إرهابي ينبغي أن تكون هي الأخرى ضمن المواد البيداغوجية لوسائل التواصل- خصوصا الإنترنت ؟
إن الذي دفعنا إلى الخوض في هذا الموضوع الذي يتقاطع فيه الإعلامي بالتربوي هو ثلاثة أمور :
الأول : يتجلى في الهوة المعرفية الكبيرة التي تفصل تلامذتها وطلبتنا عن تلاميذ وطلبة الضفة الأخرى -أي أوروبا- خصوصا فرنسا.
الثاني : يتجلى في الكم الهائل من المواقع البيداغوجية عبر الإنترنت
الثالث : يتجلى في الكم الهائل من المعلومات المعرفية التي يتم تجميعها في شكل ملفات داخل هذه المواقع البيداغوجية والتي تكفي نقرة بسيطة على الزر كي تتدفق محتويات هذه الملفات التي تقدر المعلومات التي تضمها بالملايين كلها رهن إشارة قطبين: الأساتذة والتلاميذ.
سوف نركز على نموذج واحد من هذه المواقع البيداغوجية عبر الإنترنت وهو موقع « Café Pédagogique » وعنوانه هو : www.cafépédagogique.net  ثم سنحلل بعد ذلك هذه المعطيات بشكل مختصر في إطار إشكالية بيداغوجية عامة. يعتمد هذا الموقع في عمليته التواصل مع المتلقين (Les récepteurs) من الأساتذة والتلاميذ، على عدة ملفات منها :
1. ملفات عبارة عن دليل عناوين لمواقع أخرى يصفها الموقـع بالجيـدة (Les bonnes adresses) وهذه الملفات تضم الوثائق الأصلية (Les documents bruts) وكل موقع يتم تقديمه من خلال عناوين صغيرة تلخص مضمونه مثلا :
·       أحداث 11 شتنبر :
خريطة جغرافية توضح الأصل الجغرافي للضحايا :
htpp://public.state.gov/régional/af/sécurity
صور لردود الفعل حول هجمات 11 شتنبر:
htpp://public.yahoo.com
·       ردود فعل المسلمين بفرنسا :
http://oumma.com/article
2. ملفات خاصة بالأساتذة تسجل مواقفهم من أحداث 11 شتنبر وتداعياتها. وهذه الملفات تحمل أيضا عناوين تعريفية يليها عنوان الموقع :
·       ردود الفعل الساخنة لأساتذة التاريخ والجغرافيا
(Les réaction à »chaud » des professeurs d’histoire –Géographie).
http://www.clionantes.org 
3. ملفات عبارة عن مقاربات تخصصية :
(Des approches disciplinaires)
ك:التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة.
http://www.av-bordeaux.fr/pédagogie
هذا الموقع يدرب التلاميذ على كيفية انتقاء المعلومات وعلى ربط الأحداث بكافة أشكالها بقيم الديمقراطية.
4. ملفات خاصة بالأعمال التطبيقية :
تضم هذه الملفات بطاقة رسمية من توقيع مجموعات بيداغوجية ووزارة التعليم المهني، وتقول هذه البطاقات بالحرف :
« (…..) une fiche pédagogique pour aider les lycées professionnels à traiter en classe la question du terrorisme aux états unis (…..) ce document est utile bien au delà de l’enseignement professionnel ».
- إنها بطاقة بيداغوجية لمساعدة الثانويات المهنية على معالجة –داخل الفصل مسألة الإرهاب بالولايات المتحدة الأمريكية.
أما الموقع فهو :
http://www.metiers.gouv.fr
5. ملفات تطبيقية لمعالجة المفاهيم المرتبطة بالإرهاب وككل ملف هناك
- جملة تعريفية تقول : تعطى هذه الملفات للتلاميذ إمكانية معالجة المفاهيم وهي ملفات خاصة بالإعداديات لكن يمكن أن تطبق داخل الثانويات.
htpp://www.perso.wanadoo.fr
هذه الملفات مسجلة تحت اسم : تطبيقات دومنيك ناطانسون
Les T.P de Dominique Natanson 
وهناك ملفات أخرى تحت اسم : Les T.P. de Dominique Vandanjon
هذه الملفات تقدم أشغالا تطبيقية من خلال :
-       استعمال ومقارنة مختلف مصادر المعلومة.
-       بحث مدى مصداقية هذه المصادر
-       طرق تشكيل ملف وثائقي
هذه الملفات توجد بـ:
http://www.clinantes.org/fjarraud/exjs/attentats3
6. ملفات تشمل عناوين للمواضيع المرتبطة بالإرهاب بالصحف الفرنسية ك:
صحيفة : …Le Figaro / Libération / Le Monde
وتوجد على الموقع :
http://hg9.free.fr/ony2001/1munes.htm

وتحت عنوان كبير : نصوص من أجل التدبر والتفكير (Texte de réflexion)
يقدم الموقع البيداغوجي : Café pédagogique
قائمة طويلة لعناوين أبحاث وكذا عناوين المواقع التي توجد بها نذكر منها على سبيل المثال :
-         Jaques Tarnero : Islamisme radical et intégrisme au proche rient :
http://www.anti-rev.org/textes/
Débat : Gilbes Kelp. Tariq Ramadan et Mohamed Tosy, libération 8 Août 2000 : l’islamisme fin et suite :
http://www.liberation.fr/quotidien/débats/
-         Olivier Roy, chercheur au CNRS : l’internationale islamiste, le monde diplomatique. L’auteur retrace l’histoire du fondamentalisme depuis 1983.
http://www.monde-dipolatique.fr/1998/
وبالإضافة إلى ذلك هناك :
7. ملفات خاصة بالصور، حيث تكون "الصورة" موضوع نقاش وتحليل. ومن أجل تعميق هذا النقاش فإن الموقع البيداغوجي عبر الإنترنت يتعاون مع القنوات التربوية مثل France 5 التي تعرف أيضا تحت اسم la cinquième ، حيث يتم انتقاء بعض البرامج لدعم انفتاح التلاميذ على المحيط الخارجي. ومنها برنامج : « Arrêt sur images » الذي يوجد على الموقع :
http://www.france5.fr/asi
8 ملفات خاصة بالصور الصحفية، أي جميع الصور التي التقطها الصحفيون أثناء أداء مهمتهم. وتوجد على الموقع :
http://63.208.24.134/terrorisme/gallery/wedgallery.htm
ولا يكتفي هذا الموقع البيداغوجي بعرض هذه الملفات باللغة الفرنسية فقط. بل يتعاون من خلال اللغة الإنجليزية مع مواقع أخرى غير بيداغوجية بريطانية وأمريكية ليطعم مضامين الموقع ولكي تكون استفادة الأساتذة والتلاميذ غنية وثرية من حيث المعلومات سواء بالفرنسية أم الإنجليزية، ونذكر من بين هذه المواقع على سبيل المثال :
http://www.nous.bbc.co.uk
http://www.washingtonpost.com/
http://www.cnn.com/specials/2001/trade.center/benladen
هذه المواقع يسجلها الموقع البيداغوجي تحت اسم :"مصادر معلومات"
وهناك ملفات خاصة بالوثائق منها وثائق خاصة بتنظيم القاعدة، توجد بالموقع :
http://www.web.nps.navy.mil/library
حوار مع بن لادن تم تقديمه ب CNN في مارس 1997 ويوجد على الموقع :
http://www.flinet.com/~politics/jihad/jihad.htm
وبالإضافة إلى ذلك هناك دروس تم أخذها من الولايات المتحدة لتعزيز الموقع. وتم تعريف هذه الدروس بالعبارة التالية :
« cette page regroupe plusieurs cours pour aider les élèves à s’exprimer sur le terrorisme ».
توجد هذه الدروس على الموقع :
http://www.indiana.edu
وهناك دروس أخرى مقدمة من طرف New York times  مكونة من ست صفحات تحت عنوان :
« helping students explore the views about the terrorist attack ».
وتشمل هذه الصفحات مخططا للدروس وأنشطة تطبيقية لمختلف المستويات التعليمية.
دروس مقترحة من قبل قناة CNN مع مصادر للمعلومات توجد على الموقع :
http://www.fyi.cnn.co;/2001/fyi/ressor.plqns/
لعبة : عبارة عن 100 سؤال لمقاومة العنصرية ضد العرب (مع تقديم أجوبة) هذه الدروس تمكن من اكتشاف الجالية العربية- الأمريكية القاطنة بالولايات المتحدة الأمريكية. هذه الأسئلة تم تهييؤها من طرف: Richard Jensen وتوجد على الموقع :
http://www.freep.com/jobspage/arabs/
بالإضافة إلى ذلك، هناك :
مقالات متخصصة وأفلام فيديو (Vidéos) حول ذات الموضوع بل الأكثر من هذا أن هذا الموقع البيداغوجي خصص حصة مهمة من ملفاته للأطفال في المرحلة الابتدائية بشكل مبسط تتمحور حول الجانب النفسي، حيث يركز الملف على تقديم نصائح للأطفال عن كيفية التعامل مع "مأساة" ما عندما تحدث وتوجد هذه النصائح على الموقع :
http://www.kidshealth.org/kid/misc/terrorist-attacks.htm
ملفات تحت عنوان : الإرهاب الإسلامي (Le terrorisme islamiste) توجد على موقع:
http://www.liberation.fr
ملفات خاصة بصراع الحضارات : الحضارة الإسلامية ضد الحضارة الغربية :
« the clash of civilization » par Samuel P. Huntington
وتوجد على الموقع :
http://www.foreignaffairs.org
إن المقام لا يتسع لعرض كافة محتويات هذا الموقع البيداغوجي الغني جدا بالمعلومات. وبما أن غاية البحث –كما جرت به الأعراف- هو طرح إشكالية محددة تتمحور حولها عدة أسئلة وتتقاطع عندها مختلف طرق التفكير وأساليب المعالجة، فإن ما سأطرحه ليس إشكالية بصيغة المفرد، بل هي متعددة الجوانب ومتشابكة، تحضر فيها المقاربة التمثلية بشكل أساسي، وكذلك بيداغوجيا الكفايات.
ذلك أن التمثلات تعتبر حافزا أساسيا وعاملا حاسما يجعل من التلميذ /الطالب مؤهلا وقادرا على بناء تصور معرفي. خصوصا عندما يتم ربط التمثلات بالواقع المعيش والمحيط  العام للمؤسسة التعليمية أو بتعبير أدق حسب دوركايم E. Durkheim  "التمثلات الجماعية والاجتماعية".
وهكذا فإن ما تنجزه هذه المواقع البيداغوجية كالموقع Café pédagogique) هو بالأساس مساعدة الأساتذة والتلاميذ والطلبة على أولا معالجة المعلومات وثانيا تخزينها وهما عمليتان تؤشران على التمثلات. كما أن هذه المواقع من خلال اعتمادها على مناقشة وتحليل أحداث محددة كأحداث 11 شتنبر، إنما تقوم بالتمثل الرمزي لأحداث وقعت مع العمل على فهمها والتعرف عليها ومناقشتها وإعطاء تصورات وآراء حولها. وبالتالي فهي تساعد التلميذ / الطالب أو المتعلم بصفة عامة على تمثل محيطه والاندماج فيه تفكيرا وتحليلا، وبالتالي فالتمثلات تعني حسب R. Legendre[5]  الطريقة التي يفكر بها الفرد. وهي كذلك في رأينا كما في رأي عدد من المهتمين[6] بهذا المجال[7]:
نشاط ذهني / فكري يمكن التلميذ / الطالب من الاحتكاك بواقعه المعيش ومواجهة إشكالياته وأحداثه.
ويفترض في التلميذ (الطالب أن تكون له تمثلات قبلية أو تراكم معرفي مهم يكون هو الانطلاقة التي تمكن من التموضع في صلب المعطيات الراهنة. وهذه المرجعية الفكرية أو القبلية تساعد المؤطر كذلك (أي الأستاذ) على توجيه المتعلم من خلال الأنماط المعرفية التي تستدعيها الذاكرة الجماعية للتلاميذ/الطلبة أي كل ما له علاقة بحدث / أحداث صورة رموز إلخ، والواقع أن استغلال أحداث 11 شتنبر من قبل المواقع البيداغوجية الفرنسية بشكل منظم ومدقق تعتبر انفتاحا مبهرا وخدمة كبيرة تقدم للمنظومة التعليمية والمنضوين داخلها من تلاميذ وأساتذة ذلك أن ربط التربية بالوسائل الإعلامية وتكنولوجيا الاتصال من شانه أن يجعل وظيفة التمثلات تحقق الأهداف المسطرة لها والمتمثلة في المساهمة في البناء المعرفي وإعادة إنتاج الظاهرة أو الحدث موضوع البحث (مثلا أحداث 11 شتنبر وتداعياتها) على المستوى بالتصادم بين التمثلات القبلية للشخص المتعلم وما يقترحه عليه الخطاب الديداكتيكي، هذا الأخير عليه العمل على تجاوز تلك التمثلات القبلية من أجل الانطلاق نحو اكتساب معارف أخرى بدل تلك الجاهزة في ذهنه (Les connaissances mobilisées)[8] مع الدفع بالمتعلم إلى الشك دوما في حصيلته المعرفية الأولية لأن ذلك من شأنه أن يفتح شهيته إلى الانطلاق نحو معارف جديدة وتصورات أغنى، وأكثر ملاءمة للأسئلة التي يطرحها وقاعه المعيش وهي أسئلة متوارية تخص التمثلات الاجتماعية[9] الناشئة أصلا عن الارتباط بالجماعات الاجتماعيةL’attachement au groupes sociaux[10] حسب دوركايم فهذه المشاركة هي ما يجب أن تسعى إليه التربية الحديثة من أجل تطوير الكفاءات وإغنائها "(.....)، إن المعرفة وأن تلجأ إلى المشاركة، إن لمعرفة تكتسب بالتشارك وليس بالتلقين فحسب، مما يتيح للجميع فرص التفتح وتحمل المسؤولية في إنشاء المعرفة، والاستفادة من تطبيقاتها".
إن محتويات التدريس يجب أن لا تشمل فقط المقررات والارتباط بها قلبا وقالبا بل يجب أن تظل هذه المحتويات منفتحة على مستجدات الأحداث وكذا المحيط الخارجي للمؤسسة حتى تكون هذه المحتويات جميعها مساهمة في تنمية كفاءات المتعلم في مختلف مستوياته التعليمية.
فمحتويات التدريس لن "تكون في هذا التصور الجديد سوى حوافز ومعززات للعمل الذي يستهدف تطوير الذكاء والشخصية في جميع أبعادها. فتعطى الأهمية لكفاءة التلميذ والطالب[11] في معالجة المعلومات وتحليلها وإدماجها في مكوناته النفسية. وكذا الكفاءة على مواجهة المشاكل المستجدة بوعي وإرادة صلبة لتجاوزها بما يضمن توازنه واندماجه"[12].
ولا يمكن في رأينا تفعيل هذا التصور الجديد في غياب مواكبة تطوير نظريات الكفاية بشقيها: 1. كفاية التدريس الخاصة بالفاعلين على مستوى التكوين و2 كفاية المتمدرسين أو طالبي العلم والمعرفة.
فبخصوص الشق الأول يقول الأستاذ لحسن مادي : "إن مهنة التدريس تعتبر مهنة من نوع خاص، تقوم على كفايات متميزة تسمح بالتحكم في نمط من الوضعيات، وبالتزويد بمواقف توقيعية قصد التلاؤم مع أي وضعية جديدة وفهما والسيطرة عليها، ثم استثمارها بشكل جيد. إن الكفاية في التدريس" لا تتوقف على نقل وصفات حرفية متعلمة عن طريق حضور سلسلة من الأنشطة التدريسية التي يقوم بها مدرسون معترف لهم بحنكتهم وبتجربتهم.[13]
ويجب أن لا تعتمد هذه الكفايات المرغوب في تحصيلها على الارتباط الأعمى بالأنشطة المرتبطة بالمقررات "بل إلى جانب هذا، فإن الاستعداد النفسي والتربوي لمعالجة وضعيات غير متوقعة، والقدرة على تكييف ما هو مخطط ومهيأ مسبقا مع الوضعيات الجديدة، يعتبر وسيلة عملية لجعل تكوين المدرسين يساير طبيعة التحديات المرتبطة بتطور المعارف والتكنولوجيات، وكذا بتطور مفهوم التكوين من أجل ممارسة مهنة معينة لها خصوصياتها"[14] وبالعودة إلى ما أشرنا إليه بخصوص المواقع البيداغوجية (Café (pédagogique  على وجه الخصوص يتضح مدى تطبيق هذه الكفايات في التدريس من خلال معالجة وضعيات غير متوقعة (أحداث 11 شتنبر) وعدم الارتباط بشكل كلي بالجري وراء إنهاء المقررات في موعدها وهو ما يؤشر على عدم مرونة العملية التعليمية؛ وغياب هذه المرونة يؤثر سلبا على الكفايات خصوصا في شقها الثاني حيث يرى الأستاذ محمد الدريج من أجل تجاوز هذه السلبيات أن "أسبق الأسبقيات لهذا التوجه التربوي تكمن في نشر ضرب من المعرفة البيداغوجية وضرب من الفعالية في الممارسات التربوية والأنشطة التعليمية بين أوساط المربين والمدرسين والتلاميذ لمساعدتهم على ترسيخ أسباب النجاح والتفوق في التحصيل الدراسي".[15]
تركيب :
مما لا شك فيه أن تكنولوجيا الاتصال وقضايا الإرهاب في المجال التربوي من المواضيع الحديثة جدا على ساحتنا الفكرية والاجتماعية والتعليمية، حاولنا الإحاطة ببعض جوانبها حسب ما تسمح به أبجديات طرح الإشكاليات، ولا شك أن التعمق في الموضوع سيحتاج إلى دراسة شمولية. ومقاربة تحليلية أكثر عمقا ليس هنا مجالها. ويبقى مجال التمثلات والكفايات في مؤسساتنا التعليمية محاطا بهالة ضبابية لا يمكن تجاوزها إلا بدعم انفتاح المنخرطين في العملية التربوية على محيطهم الاجتماعي والفكري والسياسي من خلال دعم الشبكات البيداغوجية عبر الإنترنت، وتجنيد متخصصين في جمع المادة العلمية وانتقائها مما يعيشه العالم من أحداث، وتيسير أمر معالجتها من طرف المؤسسات التعليمية، إذا أردنا بالفعل تكوين وتأهيل فرد يساهم في بناء مجتمعه، من خلال تغيير النظرة للمقرر الدراسي ذلك أن "التعامل مع المقرر بالشكل التقليدي هو تعامل مع القوالب المعرفية الثابتة التي مصدرها الأساسي هو الكتاب والمدرس، وعلى هذا الأساس، يعتبر هذا الأخير مصدر عطاء، ومثلا يحتدى، ويستلزم الطاعة. وهذه الوضعية تبعدنا عن المبادئ الأساسية (..........) التي اعتبرناها صالحة لكل تكوين كيفما كان نوعه ونعني بذلك الاستقلالية، والتكوين الذاتي، والتقويم الذاتي، وروح المبادرة"[16].
إن هذا المنهج ذي الأبعاد الأربعة يمكن أن يساهم في تفعيل وتطوير آليات بناء الشخصية المتعلمة من جميع النواحي.


[1] - المهدي المنجرة : حوار التواصل / سلسلة شراع/ العدد الأول ماي 1997 ص: 11-12.
[2] - السابق، ص: 91.
[3] - نفس المرجع، ص: 92.
[4] - المهدي المنجرة، حوار التواصل/ مرجع مذكور، ص : 95.
[5] - R. Legendre. Dictionnaire actuel de l’éducation, p : 493.
[6] - à titre l’exemple : M. Denis : image e cognition P.U.F. Paris – 1989, p : 21.
[7] -M. Denis : Les images mentales P.U.F., Paris 1979, P : 124-125.
[8] - Voir par exemple : Eduquer et former, in revue sciences humaines – p : 209 (et ce qui suit).
[9] - Voir : D. Jedolet : Les représentations sociales – P.U.F., Paris – 1989 – P : 380 – 381.
[10] - Voir : E. Durkheim : L’éducation morale – Presses universitaires de France – 1974, quatrième et cinquième leçon de la PP de 40  à 80.
[11] ا- لإضافة من عندي.
[12] - محمد الدريج : الكفايات في التعليم – سلسلة المعرفة للجميع – العدد 16- 2000،ص : 7.
[13] - لحسن مادي : تكوين المدرسين نحو بدائل لتطوير الكفايات – الطبعة الأولى، 2001 ص : 42.
[14] -  السابق،ص : 42.
[15] - المرجع السابق : ص: 7.
[16] - تكوين المدرسين: نحو بدائل لتطوير الكفاءات / مرجع مذكور، ص: 25.

ليست هناك تعليقات: